الأحد، 15 نوفمبر 2015

التفكير و التدبر في قصائد سيدي لخضر بن خلوف


 

التفكير و التدبر
في قصائد سيدي لخضر بن خلوف

 

ينقلنا سيدي لخضر بن خلوف رحمه الله تعالى, الى أبعاد جديدة تتضمنها قصائده , و ذلك بتجاوزه لدائرة المحسوس و المعقول الى دائرة التذوق , أين يجعل المتلقي لأشعاره , يتذوق بحسه و عقله الذي يصبح بوابة لمعرفة طعم و حلاوة المدح.
و يستنتج من ذلك , ان الاستمتاع بالاستماع أو المطالعة , انما هي تجربة ذوقية أي روحية بعيدة عن الماديات , و ليست بالضرورة علما يجب دراسته و اتقان مضامينه , الأمر الذي نفهم منه , أن المعرفة بالتذوق الروحاني , لا يدرك حقيقتها الا من (*ولع بالتعبير الشعبي الجزائري), في تصفح قصائده الزاخرة و فهم مضامين مصطلحاتها العميقة و دلالات اشاراتها المليئة بالرمزية و الرسائل التربوية , دون الحاجة لكلمات معقدة ليتمكن من  ركوب  معانيها الجميلة و الاندماج فيها و استيعاب روحه لأشعاره رحمه الله تعالى.

*بك راني نزهى في المدارس و المساجد* و بك راني مداح في المدن و الخيام
بك نستفتح و قــــت ما نكــــون ســــاجد* بك سـمايا يتفاجـــــا مـــن الغيــــام
بك يحلى نومــــي وقت أن نكـــون راقــــد* و بيك يــــــبرد جني يا ساـغ النيام

و بك قرصاني سايــرة علـــى السمــية * بك نور شموسي تضوي على سماك
بـــــك فرحـــت طيــــبة و البيــــت المكــــية* و بك نــــور المدينـة لاح من بهاك
الخـــــلوفي لكــــــــحل مسكيــــــن يرتجـــاك.


مضامين قصائد سيدي لخضر بن خلوف رحمه الله تعالى , ليست كغيرها من مواضيع قصائد شعراء الشعر الشعبي أو الملحون , فهي تفهم و تفك رموزها عن طريق التذوق و الاكتشاف , و لا يتأتى هذا إلا لمداوم على الذكر و المدح لسيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم , و مخالفا لهوى النفس باجتناب الآثام و المواظبة على الطاعات حتى تنكشف له الأمور الغامضة و تفهم معانيها.

يا أخيــــــار القــــــوم راه ذلني غرامــك* و طال بيا وعدك يا سيــــــــد كل سيد
اذا هبــــــوا لرياح يفيـــــدني سلامــك * يا شموس أبصــــاري مصباح كل عيد
سعد من زارك و تلــوى على مقامك * لا نور غـيـــر نــــــورك يا راشد الرشيد

لو لا أنت يا الماجد حد ما يشوف فيا * راك تعرف حـــــــتتالي محال ما ىخفاك
نرغب الله بدعاك يثبـــــت لـــــي منـــايا * يكون قبري قبري يا المصطفى حذاك
الخـــــلوفي لكحـــــل مسكيـــن يرتجـاك .


*( يا أخيار القوم راه ذلني غرامك )
و هذا يعني أن حب الرسول صلى الله عليه و سلم عند سيدي لخضر بن خلوف, تجاوز حد الحس و العقل الى حد اعتبار ذل النفس و كبح أهوائها السبيل الأوحد لبلوغ الدرجة المرموقة في نيل ما تفيد به النسائم من سلام نبوي , و الاحساس بالفناء و البعد عن كل فعل مادي يجسد ذلك , في حب سيد الخلق صلى الله عليه و سلم . و ينجر عن ذلك أن تكون معاني المفردات المعبر بها تعكس تعابير صوفية خالصة , تتجلى في طريقة السعي بالعلم و العمل لإقرار أبعادها و معانيها السامية.

أن حالات التأمل في أشعار سيدي لخضر بن خلوف رحمه الله تعالى, قد بلغت حالة ادراك عقلية يقينية بحيث تتواصل مباشرة مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس. ." كما يمثل الوعي عند العديد من علماء علم النفس الحالة العقلية التي يتميز بها الإنسان بملكات المحاكمة المنطقية، الذاتية (الإحساس بالذات، والإدراك الذاتي، والحالة الشعورية والحكمة أو العقلانية والقدرة على الإدراك الحسي للعلاقة بين الكيان الشخصي والمحيط الطبيعي له ".


شاق قلبي ما صبــت جنــاح بــه نرحل * نباشر القبة بين الفجر و الصـــباح
نار قلبي لهبت في الضلوع و المفاصل * أعيين نكتـــم و اليــــوم الســر باح
جـــل جـــودك يـا محمـــد فيــد لكحـــل * اذا نزور مقامــك القلــب يستـــراح

كيتـــي يا الماجـــد تفــوت كـــل كـــية * يا حبيب الخاطر ما تم لـــــي قضاك
هاشمــي عدناني مصــباح فــي الدنيا * زمزمي مكاوي قرشـــي على سناك
الخلــــوفي لكحــل مسكيـــن يرتجـــاك

ان القدرة على الإدراك الحسي, لدى الشاعر, للعلاقة بين كيانه الشخصي ومحيطه الطبيعي , هو الاستعداد السامي و الاحساس المرهف , الذي له وراءه العقل الراجح و من وراء العقل البصيرة و الالهام الرباني , بحيث يجد الشاعر في كل مرة ما يسعفه في توليد ألفاظ تحمل معان متعددة الأوجه لا يمكن حصرها في تفسير ضيق.
*(الفرض ما وديته و الوعد ما وفى * الموت بين أسناني في الليل و النهار )
الحزن في هذا المقام , بمعنى الاستعداد للرحيل , و هو أيضا بمعنى المحبة الخالصة لله و لرسوله صلى الله عليه و سلم و الفناء في حبهما , يقول الميرغني: "الحمد لله الذي جعل التعلق بالذات المحمدية والصلاة عليها أقرب الطرق إلى حضرته العلية ، وجعلها الواسطة والصلاة عليها أعظم واسطة إليها بهية".
يقول الشيخ عبد الغني النابلسي " الحزن : هو الوقت الجامع والنور الساطع من فياض الرحمة ., وهو كناية عن مقام مخالفة النفس ، الذي هو أصعب ما يكون على السالك في طريق معرفة الله تعالى .
غير أن الحزن من أوصاف الصوفية في سلوكهم وحياتهم ، والمريد الحزين عند أئمة الصوفية ييسر له الانتقال من مقام إلى مقام أثناء رحلة مجاهداته ورياضاته أسرع من المريد الذي فقد حزنه ، ويقال :" إن ما يقطعه الحزين في شهر ، يقطعه غير الحزين في سنة "

و تبقى قصائد سيدي لخضر بن خلوف رحمه الله تعالى , تتميز جل ألفاظها بالمعنى المادي التي تدرك بالحس " و اعتماد الانسان على حسه سبق اعتماده على عقله " فالحس في هذا المجال هو نافذة على العالم الخارجي أين يحاول الشاعر فهم وتفسير ما يحيط به و كل ما يمكن ادراكه " من العلامات الطبيعية التي تتم بحاسة البصر, و ادراك ما وراءها بالتفكير و التدبر..."


أحفظني و احفظ أولادي و البنية * أحمــد و محمــد دعــــاو من عناك
الحبيب و بلقاسم جلــت الســـعية * و من مدحني بالنية ذاك في رضاك
لو نعيــش ألف عام مثبتــــة عليا * الخلوفي لكــحل محـــال مـــا أنساك


و صل اللهم و سلم على سيد الخلق محمد بن عبد الله امام المرسلين و خاتم النبيين.
 


بيت السلام

في الشعر الشعبي الجزائري

 

بيت السلام في الشعر الشعبي الجزائري , هو بيت الختام في القصيدة مباشرة , يمثل دفعة شعورية معبر عنها فنيا, و هي لا تلتزم بقواعد ثابتة و انما تتنوع بتنوع الغرض , ففي قصائد أمير شعراء الملحون سيدي لخضر بن خلوف , يمثل بيت السلام نهاية مضمونيه لمطلع القصيدة أي بدايتها و ان تجديد مضمون المطلع , يعود مباشرة الى تحديد مضمون الخاتمة , و ما يميز بيت السلام في قصائد سيدي لخضر رحمه الله , الرقة و التلقائية و جودة اختيار المصطلحات الفنية المعبرة في تدويناته البارعة.

بيت السلام في قصيدة : ذكر الرسول فيه راحـــة.

يا رب العــرش كـون بيا * يوم الصــراط و القيامـة
أمحي لي ذنب كــل سيـة * و احفظني ساعة الندامـة
أرحم أمي و زيــد  بويــا * و ارحم بضايع الايتامـى
بجـــاه الميميـــن و الــحا * و دال بهيج حرف صالح
لكحل ولـد الخلوف ضحى* و من قال كلمة فيه سامح
ذكر الرسول فيه راحـــة * و اللـــي صلى عليـه يربح


بالدعاء يتحقق الأمر المستصعب , و هو خاتمة جيدة , و الدليل في هذا , هو ما استهل به الشاعر ( بيت السلام) ( الخاتمة) , يا رب العرش... مناداة و مناجاة لرب العرش جل جلاله , و يفيد أيضا الاقبال على الله تعالى بالدعاء و انقطاعه عن الناس..و قد التزم سيدي لخضر في جل  خواتيم قصائده بالدعاء للأم و الأب و العشيرة و عامة المسلمين ..

و الاعلان عن أسم الشاعر و نسبه و تاريخ تدوين القصيدة , تعتبر مكونات أساسية لبيت السلام في الشعر الملحون الجزائري .

و قد اعتمد الكثير من الشعراء على حروف ( الأبجد ) لتوقيع قصائدهم و تأريخها , الطريقة التي انحاز عنها أمير شعراء الملحون سيدي لخضر بن خلوف الى ابداع جديد و اجتهاد شخصي في وضع ضوابط تعتمد الدعاء لسهولته و عدم تقيده بزمان أو مكان أو حال و اشتماله على حضور قلبي , و اشتماله على التذلل ...

بيت السلام:

هذا حد الحديث يا سامع لأخبار * أشهرته في القصيــــدة يجعله مقبول
أنا و السامعين مني ذو الأشعار * حاضرين و غايبين ما نهدي مسؤول
يا رب العرش يا العزيــز الجبار* أجعلـــني فـــي كفالة النبي الرســول
هذي هي وصايتي * أنا فتحنا لــــك فتـــحا مبينا
على قبري و قبتي * الحمـــد لله رب العالمـــــين
ألم نشرح سورتي * لكحل ولد خلوف دايم يتمنى
محمـد الفضيل مفتاح الجنة * محمد روحي و راحتي

 




 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق