الجمعة، 13 نوفمبر 2015

دراسة في موروث الشعر الشعبي الجزائري .. محمد داود


القول المتحوف

في

قصائد سيدي لخضر بن خلوف

 

 

 


 


{دراسة في موروث الشعر الشعبي الجزائري}

 

محمد داود بن عمر

 
 

 

أصول الفن

و الشعر الشعبي  الحضري

في الجزائر

 

 لقد عرفت الساحة الفنية في الجزائر تحولا كبيرا في مجال * الطرب الفني و القصيد الشعبي  الذي تكونت معالمه مع بروز إبداع  جديد جاء مخالفا لكل ما هو موجود على الساحة الفنية آنذاك , و التي ظلت تتبنى عدة مناهج فنية : كالأندلسي و الكلاسيكي و ما شابههما .. , الى أن ظهرت الصيغة الفنية الجديدة المرموقة  التي ساهمت في صقل الفن و الطرب الشعبي ببلدنا الجزائر  بميزات قلبت مفاهيمه رأس على عقب .

و يرجع الفضل في هذا , الى المرحوم الحاج أمحمد العنقا  رحمه الله تعالى , عميد الأغنية الشعبية الحضرية في الجزائر, و أحد أكبر الملحنين الجزائريين في هذا الصنف من الطرب بدون منازع , بالإضافة الى اشرافه على تكوين أجيالا من الفنانين الجزائريين .

كان  المرحوم الحاج محمد العنقا , عازفا بارعا على آلة  العود  في بداية مرحلته الفنية , و مؤلفا لكلمات أغانيه  التي فاقت 350 أغنية  , سجل  منها ما يقارب  130 أغنية , التي لا زالت  محبوبة  و معتمدة في دواوين من جاء من بعده من شيوخ الشعبي الأصيل  و حاضرة على مستوى التراب الوطني .

و نعني بالشعبي الحضري في الجزائر , النوع الموسيقي المعتمد في المدينة و انتشاره على امتداد  مدن و قرى التراب الوطني , و هو يحمل مفهوما فلسفيا عميقا , يتضمن استحضارا  قويا لذاكرة  ثقافية اجتماعية جزائرية  ليستخلص منها  عبر تقوم على التعبير عن فكرة أو أفكار اجتماعية  بإيحاء موسيقى  و نوع من التدوين الشعري شعاره الكيان الحي للشعب .

جاء ظهور المدرسة الشعبية الحضرية العنقاوية , بمفاهيم  فنية جديدة أحدثت , ثورة حقيقة في بلدنا  الجزائر و أصبح الشيخ الحاج محمد العنقا رحمه الله , يحتل مكانة مرموقة بفضل اجتهاداته الغزيرة في تحسين أداء هذا النوع من الطرب الشعبي , و توظيف الرصيد الكامل و الثري للطبوع الموسيقية الجزائرية التي كان يحفظها حفظا ذكيا , و يحسن أداءها بامتياز.

 لم تكن المدرسة الشعبية الحضرية العنقاوية , مجرد موضة نبتت وسط المدارس  المعروفة في تلك الحقبة التاريخية , كالمدرسة الكلاسيكية , و الأندلسية , و لكنها  و بلا ريب ,  فرضت نفسها , برغم الاعتراضات و الانتقادات التي كانت تحوم حولها , و أرست قواعد فنية أصيلة شديدة التأثير و كثيرة الحيوية , أعطت نفسا جديدا  للتعابير الفنية الشعبية داخل  الحيز الحضري الجزائري  , بلغ صداها جل المدن و القرى في وطننا الحبيب فتأصلت  و أصبحت  قدوة  في تحديد الأصول الفنية  في قضايا الأداء , و اللحن , و الإيقاع  و في اختيار النص أيضا الذي أصبح يسمى بالقصيد الشعبي لحنا و لغة .

أرست المدرسة الشعبية الحضرية العنقاوية أصولها  التي يقوم عليها الغناء الشعبي و مادته الأساسية المتمثلة في نص و مضمون القصيدة و كيفية الاستفادة منها في بناء قواعد و قوانين مستدامة في نصوص موجزة تتضمن تحديد مضامين التعبير الفني الشعبي  و أشكاله و مجموع العناصر الفاعلة المرتبطة بانتشار هذا النوع من الطرب و انتاج قيمته الفنية  كسلطة رمزية للرد على المحتجين و المعترضين.

 تبنت  المدرسة الشعبية الحضرية العنقاوية  لغة  واقعية  ذات جودة جمالية و قيمة  فنية مطلقة و مستقلة , ترجمت من خلالها التعابير الثقافية الشعبية كمتطلب حياتي رغم أن الفن عند بعض العلماء * يعتبر ضرورة حياتية للإنسان كالماء و الطعام أودعه الله تعالى نفس كل إنسان و لكن بدرجة تختلف بين هذا و ذاك. 

لا مادية الفن في موسيقى و شعر قصائد الغناء الشعبي , هي مجموع المعارف و التصورات الاجتماعية و الكفاءات و المهارات التي تجسد القيم  الثقافية الأصيلة للشعب الجزائري , و هي في نفس الوقت منهج يتضمن مقامات موسيقية و اوزان ايقاعية مطورة و مهذبة تتكون مادتها النظمية الأساسية من قصائد الشعر الشعبي و الموشحات و الأزجال أضيفت لها ألحان محلية و بعض الاستعارات من قوالب موسيقية اندلسية و عربية و غيرها.

ان الارتباط الحميمي للفن الشعبي الحضر العنقاوي بالقاعدة الشعبية  في المجال الحضري بالمدن و القرى , أوجد تفاعلا قويا , ملفتا للانتباه , صيغت شهرته كنوع موسيقي شعبي جديد يوظف نصوصا شعرية  تعبر عن معاناة الطبقات الاجتماعية المقهورة  تحت ضغط الاستعمار الغاشم  الذي كان يسعى باستمرار لمسخ الهوية الوطنية للشعب الجزائري , و مطرزة بشكل يخالف القصيدة العمودية  بحيث تتميز نصوصه بقابلية وضع جملها الشعرية  في وضعية تطابق النغم  أي الوزن على ايقاع النغم و حسب قواعد التلحين المتعارف عليها , و يسمح بتوظيف المقام الصوتي كطابع موسيقي , و ضبط موازينه طبقا  لسلم الموسيقى و درجات ارتفاع الصوت أو انخفاضه , فكان الانتشار الكبير لهذا النوع الجديد من الطرب , بين أحضان المجتمع الجزائري الواسع.

إن إصرار عملاق اللأغنية الشعبية في الجزائر, المرحوم الحاج أمحمد العنقا على المضي قدما  في تجسيد تصوراته من خلال نوع من الفن يصور الحياة اليومية بأسلوب  فني في غاية  البساطة والذي يعني في حقيقة الأمر , نشر الأغاني بمختلف مضامينها , لتحكي عن مواجع و مآسي المجتمع و ترسم في بعض الأحيان بهجتهم.

 فكلمة * فن شعبي في هذا السياق لا علاقة لها ( بالشعبية * أو الشعبوية **)  و انما هي نوع جديد من الموسيقى , الذي يعني كل ما اتصل بتنغيم الصوت  في الجملة اللحنية , و هو أيضا , نوع جديد من الشعر الشعبي الذي أخذ تسميته  من اللحن الذي  تقاس عليه الكلمات عند وضعها في البيت الشعري , و للتوضيح أكثر فان الفن الشعبي يختص بمقامات فريدة من نوعها و هي عبارة عن أساليب لحنية تحاكي الحالــة المزاجية للإنســان فكل مقام له شخصيــة مستقلــة تعبر عن حالته ( حزن , فرح , حب , سعادة  الخ...).

و سيبقى الفن و الشعر الشعبي موروث أدبي تتناقله الأجيال شفهيا رغم ما  لهذا التناقل من سلبيات ( تعتبر نتيجة طبيعية) لنصوص فنية و أدبية  شبه ثابتة , تتوفر على أقسام ثابتة و أخرى متحولة بحسب ظروف المستعمل  و المكان و الزمان الذي يعيش فيه. غير أن التأكيد على ضرورة حماية الفن بصفة عامة  و الشعر الشعبي بصفة خاصة ,  ليس ترفا , و انما هو واجب وطني , تؤسس له الأطر و التشريعات و الآليات المتطورة .. و الغاية في ذلك , تنمية الانسان و تحسين مستوى حياته اليومية  والارتقاء بمستواه و ضمان استقراره في حياة كريمة و معيشة ذات جودة و نوعية.

محمد داود


---------------------------------------------------------------------------------
** الشعبوية  : يمكن تعريفها كإيديولوجية،أو فلسفة سياسية،  أو نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم الديماغوجية ودغدغة عواطف الجماهير بالحجاج الجماهيري لتحييد القوى العكسية.

* شعبية: هي خصائص كل الأشياء الخاصة بالشعب وليس المقصود منها معنى دارج الإنجليزية popular بل هي تتطابق مع كلمة folksyالانجليزية فالأخيرة قريبة الدلالة...





الافصاح عن التراكيب الشعرية

في قصائد سيدي لخضر بن خلوف

 

تعريف المرمة في الشعر الشعبي الفحصي الجزائري


**** في الشعر الشعبي الفحصي الجزائري, تعتبرالمرمة , (أداة ) تشكيل أجزاء بنية , تألف بين أطوال الشكل ( القالب), لضبط مقاطع جمله و حروفه بالحركات...

سميت ( بالمرمة) في الشعر الشعبي الفحصي الجزائري خاصة , لشكلها الشعري المتميز الذي يجب النظر اليه من جميع الأوجه.. أو بقالبها الذي يعتبر مثالا لما يصاغ منه أو عليه . و أكثر من من ذلك : فالمرمة كلمة جزائريــــــــــة ( فحصية) من لهجة سكان ( الفحص) المحيطين بالمدن و تعني الأصالة و هي من التعابير الثقافية الشعبية الجزائرية الخالصة و لا علاقة لها ( بحايك المرمة الذي استمد اسمه من القماش الذي يخاط منه ...(

و تعتبر المرمة .. أداة لتحديد هوية القالب الشعري في الشعر الشعبي الفحصي ألجزائري المدون فيه القصيدة , التي يضاف اليها , لهجتها , التي تحدد الفترة التي كتب فيها النص الشعري ...

أن تعيين المرمة , و اعتمادها على الشكل الذي جاءت فيه , والغير قابل للتعديل لارتباطه بموازين مضبوطة و التي لا يمكن الخروج عنه , يتطلب في المرحلة الأخيرة ايجاد تسمية لها حتى يتم تمييزها عن المرمات الأخريات و بالتالي تمكين الشعراء من النسج على منوالها .


أجزاء المرمة في الشعر الشعبي الفحصي الجزائري :

البيت , الخماسة و المطلع ثم تقفل ببيت و خماسة.

النموذج

المرمة في قصائد * سيدي لخضر بن خلوف

*البيت

 يا حبيب الخاطـــر مــا يفيدنـــي بكايا * طال وعدي و الخاطر لـــــيس ينساك

 هاج وحشك بالشوق فنيت طـــال دايا * أعييت صابر و لا قديت على جفــــاك

 هضاب الظهـــرة رحلــوا مــــن ورايا * و الشعاب و الوديان و التل في وطاك

*الخماسة

الخلوفي لكحل مسكين يرتجاك( الريشة أو غصن الرجوع   )

*المطلع

 أعييت نكتم السر و اليوم بـــاح سري* هاج عني وحـــــشك يا سيـــد الأبــرار

 حد ما عرف يا محبوبي جـــل قـدري * قبيلتي و أهلي لاحــوني علـــى الجمار

 تاكل على المـــولى سبحانـــه الباري * عليــــه درت يقيني مصــــــرف الأعمار

*البيت

 لا تـــواخذنـــي يا ســـراج بـو رقيــة * لو جــــــبرت القــــدرة كــــــل ليلة معاك

 شاهدي و يقيني تسعة و تسعين رؤيا* و العاطـــــي مـا زال يعطي على بهاك

*الخماسة

الخلوفي لكحل مسكين يرتجاك

و في البنية العامة للقصيدة يسمى مضمون هذا المطلع * باللجام , و هو عبارة عن افتتاح يسعى من خلاله الشاعر مباشرة الى مقدمة القصيدة و التي يكون غرضها في هذا النوع من قصائد سيدي لخضر بن خلوف رحمه الله, تصور أعلى درجات الشوق إلى *حبيب الخاطر, سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم , الذي نسج معه اتصال شديد و علاقة متينة و لم يفقده الشوق رغم طول المدة التي قضاها و هو يخوض شعاب و وديان الظهرة , بعيد عن الأهل , و الأقارب , الذين أنكر عليه بعضهم رؤية الحبيب المصطفى , الذي رآه , تسع و تسعون رؤية يقينية, و لا زال يتمنى ملاقاته في كل ليلة , ليمتص لقاؤه الشريف آلام الدنيا و متاعبها , و هذا رغم نحالة الجسم و ذهاب القوة ...

و تعتمد القصيدة على * اللجام , اعتمادا اساسيا في تحقيق عدة أمور منها : اظهار اتجاه مضمونها , لجلب الانتباه و استدعاء الاصغاء , المهمة الشاقة الموكلة لمطلع الافتتاحية.

العنصر الثانـي في بنية قصائد سيدي لخضر بن خلوف رحمـــه الله تعــــالى هو * التاج , أى الرحلة , و يقع مباشرة بعد * اللجام ( الافتتاح) معهودة اليه وظيفة الافصاح عن سياق المديح , بوصف تراكيبه صورا  بلاغية أنيقة , تعتبر ابتكارا لم يسبقه اليه شعراء الشعر الشعبي و الملحون ...في كل الأزمنة.

و قد يقول قائلا : أين هو ابتكارسيدي لخضر بن خلوف رحمه الله تعالى في كل هذا ؟

فنقول : رغم أنه لم يبتكر عنصراً جديداً , إلا انه اهتدى الى تغيير في ترتيب العناصر الأساسية لبنية القصيدة في الشعر الشعبي الجزائري و الملحون عامة , فابتكر وظيفة جديدة غير مألوفة في تراث الشعر الشعبي الجزائري خاصة , لعنصر*التاج (الرحلة) ويلاحظ أن هذا الابداع الجديد قد تكرر في جل قصائده .

*التاج

 بيـك يا محمــد قلب الغريب دافــي * و بيك يا محمـد ننجى مـــن العذاب

 أسمك ما بين لسانـــي مع شفافـي * كأنه خبز الشعير صافي مــن اللباب

 وقت نذكر أسمك نزهى من أطرافي* بالمغاني و العود و الدف و الرباب

 بيك يعــلا راسـي و أنت لـــيا حمية * مشيوع بمديحــــك ما بين ذا و ذاك

 طلبــت لقضــاك يثــــبت المنـــــــية * وين تمشي لكحل يمشي من وراك

 الخلوفي لكحــــــل مسكين يرتجاك

 

 


 

البيت

في الشعر الشعبي الفحصي الجزائري
 

ان تعريف البيت في الشعر الملحون يتطابق و التعريف الذي أورده الاستاذ د.محمد زكريا عناني في كلامه عن الموشحات حيث قال :" البيت في الموشحة غير معناه في القصيدة التي يأتي فيها البيت مكونا من شطرين".

و عرفها ابن سيناء الملك بقوله:" أنها أجزاء مؤلفة مفردة و مركبة , يلزم في كل بيت منها أن يكون متفقا مع بقية أبيات الموشح في وزنها و عدد أجزائها لا في قوافيها بل يحسن أن تكون قوافي كل بيت منها مخالفة لقوافي البيت الآخر "

هذا النمط من التدوين الشعري معمول به عند الشعراء الشعبيين الجزائريين , و يسمى عند البعض * بالبيت , كما هو الحال في قصائد سيدي العلاوي, و يسمى * بالهدة , عند مداح قبائل بني عامر الوهرانية الشيخ مصطفى بن براهيم ...و هو من أقدم النماذج الشعرية, التي يتم تدوينها على الشكل

 المسمى ( بالمبيت بأنواعه ) و الذي يشبه التدوين في القصيدة العمودية , غير انه يختلف عنه في البنية , حيث يعمد الى تجزئة شكل القصيدة العمودية و تقطيعها , بإضافة ما يسمى (بالمطالع) , اقتداء بالشكل الذي جاء عليه الموشح , غير انه يختلف عنه في لغته العامية الملحونة , و في تسمية أجزائه , ( البيت , الاغصان, الخماسة, المطالع , و بيت السلام ...) , التي سنتطرق اليها بالتفصيل.

هذا بالنسبـــة * للبيت الشعري في النــوع المسمــى * بالمبيت بمختلف * مرماته ( بحوره , أشكاله) ..


و أما *البيت الشعري المتكون من اجزاء مفردة و مركبة , تتفق و بقية الأبيات , و اختلاف في قوافيها من بيت لأخر, كما ذكره ابن سيناء الملك , فانه ابداع جديد , خارج عن المألوف , تم وضعه من طرف شعراء أبدعوا في وضع أنماط بديعة نتسدل بأحداها على سبيل الحصر :

النموذج :01

العرفاوية

 الشيخ الحاج محمدالنجار رحمه الله

*مختار هاشمي من قبضة نوره أنشأه

- الأنوار كلها من نوره

 الورد والزهر و حوره

 الظرف والعقل وسروره

- حب الحبيب طه

 فيه نزاهة

 كم نرجاها

* في يوم نحتاج الشفاعة يحضر ليا الهاشمي

 في القبر وغمرته روضي والع به

* ربحي و سرور القلب والمنى حب عظيم الجاه

 مول الحلة والتاج يا الغافل كثر في صلاته صلّى الله عليه
 

النموذج: 02

مرمة الحبقي بالشراشف .

* يا راحت الأرواح و المسرة في كل ضيق

- صلاتك واجبة يا ضي أنجالي

 غيثني تستقام أحوالـــي

 في وصالك يرتاح بالي

 أنا الضعيف غيثني من قبح الأفعال الممقوتة

 ثبتني بالشهادة عند الموت

 ننطق بها بالثبات

تجعلها ليا مونسة

 أرحمني كي أرحمت يونس في بطن الحوتة

 و ألهمته الصبر و الثبوت

 سبحانك جامع الفتات

 تحي العظام المسوسة.
 
 
 
* المطالع *
في الشعر الشعبي الجزائري
المطلع هو ما تفتتح به القصيدة  و يتكون من شطرين او أربعة أشطر , أي من مجموعة المقاطع الأولى ، و وجوده ليس ضرورة لازمة , فاذا وجد سمي تاما, ، و اذا لم يوجد سمي أقرع , و يجوز أن يتكون من ثلاثة أغصان أو أكثر .
و قد سميت بالمطالع في الشعر الشعبي في المدن الحضرية , و بالفراش عند مداح قبائل بني عامر مصطفى بن براهيم و بالخروج عند الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي و عدة بن تونس...
 01 - نموذج في شعر سيدي لخضر بن خلوف.
فـــي قلبي كــــــل يوم فرحة * نشكـــر رب العطا و نحمد
 نبني فــــي كـــل حين شرحة* مستنــــد للدايــــــم المؤبد
 مــــــــا للمذنبيــــــن راحــة * الا ذكــــر النبـــــــي محمد
 صلى الله على محمد
 باســــم الله نبدا و نختم * و الصلاة علــــــى نبينا
 قسمنا بالنبـــــي الأكرم * اذا تقتـــــــــدوا بيـــــــنا )مطلع ذي ثلاثة أشطار ذات الغصنين(
 اذ اقتديتــــــم اهتديتـــم * كـــم من ذاكرين غافلينا
 في حصن حصين زين نصحة* وغصان مدلوحة تجنــــد
 فارس مشيوع يوم النطحــــة * في عسكر حبر جاء مؤيد
02 - نموذج في شعره رحمه الله تعالى
 
 قدر ما في بحر الظلام *** من هوايش وحيتان بلا قدر عايشين
 مع الموجات بلا زمام *** وعدد الرملة والأحجار اللي كاينين
 الصلاة والسلام
 صلى الله على صاحب المقام الرفيع
 والسلام على الطاهر الحبيب الشفيع
 قدر الداعي والمدعي ومن هو سميع
 قدر الشاري في السوق ومن جا يبيع )مطلع ذي السبع أغصان(
 قدر الطايع للحق راه في أمره سميع
 قدر ما قبضت اليد الكافلــــة بالجميع
 قدر الحلفة والـــدوم والزرع والربيع
 
قدر الأنوار فتحوا الكمام *** زهرت في الرياض تبارك الله السنين
 كي نشروا فيهــــا الأعلام*** افتح من كل ألوان الياس والياسمين.
 
وظيفة المطالع
و ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﻋﻠﻲ ﻣﻄـﻠﻌﻬﺎ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﺍً ﺭﺋﻴﺴﻴﺎ ﻋﻠﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻋﺪﺓ ﺃﻣﻮﺭ
 ﻣﻨﻬﺎ: َﻛﺸﻒ ﻏﺮﺽ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻭﺍﺗﺠﺎﻫﻬﺎ ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻧﻲ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺟﻠﺐ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻭﺍﺳﺘﺪﻋﺎء ﺍﻹﺻﻐﺎء ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺗﺒﻴﻦ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ، ﻭﻣﻮﻫﺒﺘﻪ، ﻭﻣﺪﻱ ﺗﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ. (ﺍﺑﻦ ﺍﻷﺛﻴﺮ، 1965ﻡ) .
و يعتبر ﺍﻟﻤﻄﻠﻊ ﻣﻘﻴﺎﺱ ﻣﻬﺎﺭﺓ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻲ ﻃﺮﻳﻘﻴﻦ: ً ﺃﻭﻻ: ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ﻣﻦ الغرض. ً ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﻓﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻪ.
و تبقى وظيفة * المطلع في القصيدة تنحصر في اعطاء * طلعة جديدة في بناء مراحل قصيدة الشعر الملحون , و تبين مدى مهارة الشاعر في النظم , و اكتسابه لأدوات الكتابة الفنية في الشعر الملحون خاصة باللغة المنطوقة , و ما يميزها عن اللغة المكتوبة التي هي بطبيعة الحال , اللغة الفصحى.
هناك أشكال عديدة من *المطالع , يعتمدها الشاعر في كتاباته , قصد بناء شكلا جديدا من * مرمات الشعر الشعبي ( البحور) .
 




 
الخصائص الفنية في قصيدة الشعر الشعبي
عند سيدي لخضر بن خلوف
 
الشكل في معناه الفلسفي يقصد به النموذج أو البنية و في هذا السياق نريد به الشكل الهندسي ( المرمة) للقصيدة في موروث  الشعر الشعبي الجزائري و مدى ارتباطه بجوهر المضمون.
يقول سيدي لخضر بن خلوف في قصيدة :
قدر ما في بحر الظلاملبيت
قدر ما في بحر الظلام * من هوايش وحيتان بالقدرة عايشين
مع الموجات بلا زمام * وعدد الرملة والأحجـــار اللي كاينين
الريشة أوغصن الرجوع
الصلاة والسلام                                      
المطلع
صلى الله على صاحــب المقام الرفيع
والسلام على الطـاهر الحبيب الشفيع
قدر الداعي والمدعي ومن هو سميع
قدر الشاري في السوق ومن جا يبيع
قدر الطايع للحق راه في أمره سميع
قدر ما قبضت الــيد الكافلــة بالجميع
قدر الحلفة والـــدوم والزرع والربيع
البيت
قدر الأنوار فتحوا الكمام * زهرت في الرياض تبارك الله السنين
كي نشروا فيها الأعلام * افتح من كل ألوان اليــــاس والياسمين (*)
الريشة أوغصن الرجوع
 
الصلاة والسلام
في البداية , لا بد من التأكيد في هذا المجال على أن وضع سيدي لخضر ن خلوف (لقالب ) القصيدة  هذه  , يؤكد ثورته على الأشكال التي عرفها زمانه و ليست صادرة عن تعصب لقوم دون قوم آخر كما يعتقده البعض و يسمونه ( تارة بالتقليد أو النقل , و تارة أخرى بسرقة أشكال الغير و نستبها الي المروروث الجزائري أو العكس ...) بل كان موقفا عاما راسخا نتج عن استقلالية النظرة و الذي يلائم قناعته و ذوقه من هذا التعصب المنبوذ .
 
و أننا نرى ان ما أتى به سيدي لخضر بن خلوف من أشكال  شعرية جديدة  , فهو في الحقيقة دعوة للإبداع و الإتيان بأشكال محلية كبديل تناسب واقع عصره.
و أكثر من هذا , استطاع سيدي لخضر بن خلوف أن يستحدث من خلال شكل القصيدة مذهبا شعريا جديدا الا و هو  " المدح " الذي مكنه من طرح أفكارا تتضمن الدعوة الى دين الله الحنيف و اظهار مآثر نبيه الجليلة في معيشته اليومية كزاهد و مجاهد و مؤرخ ... ليكتشف جوهر الأشياء في الشكل و المضمون.
بلاغة المحتوى في المضمون
و أما المضمون فهو المحتوى و فحوا الكلام و ما يفهم منه في قصيدة الشعر الشعبي الجزائري , و الصلة بين الأسلوب الفني في صناعة المضمون و لغة ( اللهجة) المحتوى , أو بلاغته بالتعبير الصحيح و كيفية تحقيقهما جملة واحدة أو على انفراد.
المحتوى هو  جوهر ما ضمه و اشتمل عليه  مضمون القصيدة في شكلها الأصلي. و البلاغة  العامة فيه , هي ما جاء على لسان ا. أحمد رشدي صالح حيث يقول : " هي الاحاطة بمزاج أهلها و مؤدى اصطلاحاتهم و فهم نفسيتهم... و هذا كله معناه إدراك نوع حياتهم و ظروف مجتمعهم و تاريخهم ."
و أمر" البلاغة كأمر اللغة سواء بسواء , كما ورد عن ابن خلدون , اذ يؤكد , انهما ليستا طبيعيتين بل نتعلمهما من المحيط و عن طريق السمع و الفهم و الاستعمال و التطبيق و التعود و التكرار" و التي تعتبر شروط أساسية للتمكن من تذوق المضمون الذي يحمل صور و تعابير شعرية لا يفهمها من لم يعايش هذه البلاغة الشعبية و فهم نفسية مستهدفيها.
يقول سيدي لخضر بن خلوف في قصيدة : محمد خير البرية.
الشباب اللي كنت بيه كاسي* كسوة من زين حسن ســترة
عرانـــــي اليـــــوم من اللباس * مالـــي حــــــــول و لا قــــــــــــدرة
أمسيت بجمـــــاره نساســـــــي * راحت صورة و جات صورة
لو كـــــان يدل له بعرضي * ما تســــــوى سلعـــــــتي سويـــــة
أنا و ميات شيخ عوضي * مـا نسواشـــي حـــــتى وقيـــــــــة
محمـــــــد خيــــــــــــــــر البريــــــــــة
لا يفهم خطاب سيدي لخضر بن خلو ف رحمه الله تعالى  في هذا السياق, إلا من أوتي ملكة فهم معاني المصطلحات بتعابيرها الثقافية الشعبية الواردة في الأبيات بلغتها و صورها الفنية العنصرين الأساسيين في بناء شكل القصيدة في الشعر الشعبي الجزائري.
الصفات اللغوية في مضمون الشعر الشعبي الجزائري.
يقول أمير شعراء الشعر الشعبي الجزائري سيدي لخضر بن خلوف في قصيدة:
*أنت في الشرق وأنا غربي
لا زاد بــــــه نرحـــل عازم* لا مال بيه انشد حزامي
لا حبيب لا صديــــق منظـم* يطفي مشاهبي وغرامي
نبكي على اوصاف المرصم* اللي زهات بــــه انيامي
زمــــــزم ماه صـــافي عذبي
أحلا من الشهد وقرقاف امزاج * وأحلا من العسل في شربي
بيه النجوم نارت ما فوق ابـراج* أواه يـــا درى يــــا ربــــي
 
يا من درى الخلوفي يتكنى حاج* ومن الشواق يطفــــى لهبي
زورة مخنترة للنبي المــــعراج *محمد الشريــــــف العــربي
جاء في معجم المعاني أن:"اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ". من الواضح أن اللغة عند سيدي لخضر بن خلوف متطورة جدا نتيجة ثقافته المكتسبة  (بلغتها و صورها الفنية) و التي تعكس صوره النفسية " ذات التعابير الشعبية الشفهية " الواردة في مضامين التراث غير المادي الذي يصنف فيه مثل هذه القصائد القديمة.
تسمية هذه اللغة المكتسبة لدى سيدي لخضر بن خلوف رحمه الله تعالى, " باللهجة "  انما يراد بها صوت الانسان الذي اعتاد عليه بالنطق خاصة , كما هو وارد في التفاسير .
 يقول د.ابراهيم أنيس معرفا اللهجة  على انها :  " مجموعة من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة خاصة ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة , و بيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات لكل منها خصائصها , أما قديماً فكان يطلق عليها اللغة ولم تستعمل اللهجة بمعناها الاصطلاحي السابق إلا حديثاً فكان يقال "لغة" القبيلة بدلاً من "لهجة" القبيلة فيقال لغة قريش ولغة تميم وهكذا... وتشتمل اللغة عادة على عدة لهجات لكل منها ما يميزها وتشترك كل هذه اللهجات في مجموعة من الصفات اللغوية ما يتعلق بالأصوات وطبيعتها (Phonetics) أو مايتعلق ببنية الكلمة ونسجها (Morphology) ومايتعلق بتركيب الجملة (Syntax) أو مايتعلق بالألفاظ ودلالتها (Semantics) ".
 
ان اللهجة لحن في اللغة الأم , حتى و ان كان هذا اللحن لا يتعدى بعض الألفاظ  عند سيدي لخضر بن خلوف  و يكمن الاختلاف هذا في نطق بعض الألفاظ فقط أي حركات الكلمات ثم تطور هذا اللحن ليشكل لغة أدبية خاصة بهذا الصنف من الأدب الذي يدعى بالأدب الشعبي و لا يزال هذا المصطلح محل نقاش بين الدارسين.
 
و بهذا تشكل اللهجة أحد المكونات الأساسية في بناء مضمون القصيدة في الشعر الشعبي الجزائري , و هي لسيت مستحدثة بل جزء لا يتجزأ في شكل القصيدة و بذلك تظل الجوهر الثابت و الدائم في ذلك.
 
و ترتبط الصور الفنية التي تحملها اللهجة ( البلاغة الشعبية) ارتباطا وثيقا في تجربة سيدي لخضر بن خلوف و تعتبر أيضا طريقة معبرة عن أوجه الدلالات التي تحملها صور المضمون في قصائده.
 
و يبقى جوهر ما تضمنته قصائده رحمه الله تعالى , مرتبط باللهجة و ما احتوته من بيان سحري  الذي لا يمكن له أن يتحقق الا من خلال الاستعمالات المتكررة للهجة و ألفتها و الابتعاد عن المفردات الغير مألوفة.
* مرمة " المسبع " عند سيدي لخضر هو  القياس ( الوزن)  الخاص الذي يجري عليه  تدوين (نظم) أبيات القصيدة في هذا الصنف من الشعرالشعبي الجزائري , و قياسه  ( وزنه)  6/9 ,  وضعت كذلك لاشتمالها على مقاطع ثابتة ,  أسسه  و وضع قواعده في التطريز و القياس , أمير شعراء الملحون الولي الصالح و الفقيه المجاهد سيدي لخضر بن خلوف  رحمه الله تعالى.
 بنيت القصيدة فيه على بيت و مطلع يتكون من سبع أغصان لم يسبق التدوين على منواله , بحيث تتنوع القافية في كل مطلع و  و تسمى الخماسة  في هذا المضمار بغصن الرجوع  .
(1)- غصن الرجوع , هو شطر البيت الذي يتم بواسطته الاعلان عن  الانتقال الى التدوين في مطلع جديد بقافية جديدة و قياس ثابت.


 
العناصر الأساسية
في بنية القصيدة الشعبية الجزائرية
قصائد سيدي لخضر بن خلوف
تعتمد قصيدة الشعر الشعبي الجزائري عند سيدي لخضر بن خلوف في عمومها علي (* المطالع المتعددة) اعتمادا جوهريا يكون المراد منه تحقيق عدة أهداف منها على سبيل الحصر :
- الكشف عن غرض القصيدة و مقاصد ما تضمنته من  اسهامات و قدرات صنعة الشعر لدى الشاعر.
- و منها أيضا , جلب الانتباه و دعوة  للإصغاء الى ما تدخره موهبة و ابداعات الشاعر في تدوين القصيدة .
 
ان تنوع ( المطالع ) في القصيدة الواحدة , يعتبر مقياسا لمهارة الشاعر , بحيث يمكنه من اختيار المضمون من الغرض و ايجاد فنيات التعبير عنه.
و لا يمكن  اختيار المضمون الا اذا أدرك الشاعر ان لكل غرض , مضامين عديدة , و الشاعر البارع هو الذي يختار ( لمطالعه ) مضمونا يجلب من خلاله السمع و الاصغاء ..
 أما أدوات التعبير, كالأسلوب اللغوي , و سلامة التراكيب و سلاستها ,  فهي تساهم بلا ريب في جودة  صياغة ذلك المضمون و ما يصبو اليه الشاعر في تدوينه الشعري.
يعتبر المطلع الأول في قصيدة سيدي لخضر بن خلوف و التي  جاءت تحت عنوان : * صلى الله على محمد ,  بمثابة ( الافتتاح ) , و هو جزء لا يتجزأ  في هيكل القصيدة التي تبنى على طبقات أساسية عديدة , منها ما نسمية باللهجة الشعبية  (مطلع اللجام ) , أي الافتتاح ,  الذي ورد فيه  , أنفاسا زكية , من بسملة و صلاة على خير الخلق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه , و و  دعوة للاقتداء  بالذكر و نبذ الغفلة
( اللجام )
المطلع الأول:
بســـم الله نبــــدا و نختــم * و الصــلاة علــى نبــينا
أقسمــــنا بالنبـــي الأكرم * اذا تقتـــــــدوا بيـــــــــنا
اذا أقتـــديتــــم اهتــديتــم * كم من ذاكريــــن غافلين
(من قصيدة * صلى الله على محمد * سيدي لخضر بن خلوف.)
براعة الوصف , و الصياغة  الجميلة و حسن توظيف المعاني في بناء مضمون القصيدة , كان الغرض منه * مدح النبي محمد صلى الله عليه و سلم ,  بكل ما تتضمنه أدبيات المدح  و أصولها ,  و هو القسم  الثاني الذي تبدأ منه ( الرحلة)  في تدوين القصيدة في الشعر الملحون الجزائري و نسميه * السرج  .
( محمد  خير من تبهج *  في ثوب لا تساويه حلة) , و يظهر الغرض الثاني في ترتيب أقسام القصيدة , فيما تضمنه * سرج القصيدة  الذي جاء على شكل صياغة بديعة لمضمون جليل هو: الاقرار بأن,  سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم , خير من تسر  بذكر اسمه و تبهج , و لا تساويه  في ذلك , مسرات و بهجة أنفس  الحلي و أغلى الأثواب التي يمكن للإنسان أن يقتنيها و يسعد بها..
 
(السرج)
المطلع الثاني :
محمـــد خيــر مــن تبهــج * في ثوب لا تساويه حلة
مــن أتاه البــراق مســرج * ليلــــة لثنين حيـــن تدلى
خرق سبع أطباق و عرج * زاد كــل مقــام فيه صلى
(من قصيدة : صلى الله على محمد * سيدي لخضر بن خلوف )
و  يأتي * السرج  في الشعر الشعبي الجزائري مباشرة بعد * اللجام للإفصاح عن بداية الرحلة الشعرية.
القسم الثالث في بنية القصيدة يسمى * المسربل , و هو انتقال الشاعر مما بدأ به في الافتتاح و الرحلة الى اظهار براعته  في ترجمة  ما تضمنه هذين القسمين  , أي الانتقال من موضوع الى آخر من غير انقطاع محسوس و معناه أيضا , الخروج من كلام الى آخر بطريقة تلائم
بين السابق اللاحق , بحيث يظهر الشاعر براعة في توظيف أساليب الوصف توظيفاً فنياً  منقطع النظير , ومن الواضح أن ما احتوته مطالع *المسربل , من استشهاد الشاعر بأسماء النبي محمد  و ما تضمنته  من تعظيم لخصاله  المقتبسة من السيرة النبوية الشريفة ,  لدليل قاطع على غزارة   التعابير في القول الفني المحكم لدى سيدي لخضر بن خلوف  رحمه الله تعالى.  
(المسربل)
المطلع الثالث:
لــو لا محمــد التهامـي * لعم الكفر و الضــــلالة
و يكون ظلام في ظلام * لولا المبعوث بالرسـالة
أتى للكفر بحر طامــي * و نصــــره ربنــا تعالى
المطلع الرابع:
لـــولا محمــد المشفـــع * لا كانت ظاهرة مزيـــة
من يرجوه العباد يشفــع * من مجالس غاية النهيـة
يقول الرب راسك أرفع * ثــم أسألنــي و ثيــق بيا
المطلع الخامس:
بالله و بالنبي المشرف * لا جـاز و بقــى مثل هو
يا سعد اللي عليه ألف * بألفين صلاة بعد قول هو
يا الله حرمــة المكلف * خرج التقليد من قـــرأ هو
المطلع السادس :
 
أذكر الله و زيد صلي * على المختار بن حليمة
يوم الرؤوس تعود تغلي * يورث محمد الغنيمة
اذا عاد الصغير يصلي * يورثها الجنة الرحيمة
(من قصيدة : صلى الله على محمد * سيدي لخضر بن خلوف )
مطلع الختام نسميه باللهجة الشعبية العاقبة , أي الخاتمة , و هو آخر ما يتم تدوينه و خاتمة للقصيدة و يدخل مباشرة تحت نطاق البيت الذي يسبقه و يمثل الدفعة الشعورية و التعبير الفني عنها, و *العاقبة عند سيدي لخضر بن خلوف ملتزمة بقاعدة ثابتة مهما تنوع الغرض و هي تقود الى تحديد مضمون  ( بيت السلام )  الذي يلفت الانتباه و يمتاز بالرقة و جودة الصناعة الفنية في الشعر الشعبي الجزائري الجزائري .
*العاقبة
المطلع السابع
الله يرضى على الفصحا * يجعلهـــــم في صعيــــد واحد
في زمرة بوبكر و طلحـة * ثــــم عمــر و علــي وخالــــد
أسمــع ما يقـــــول لكحـل * بــــن عبـــــد الله الخلـــــوفي
أخترت من النجوم زحــل * و اخترت من القلوب الصافي
أخترت من الرسول مرسل* هــــــو محمــــد المنـــــــاف
و أختر ترعة حروف جنحة * مميــن و حــاء و دال زايد
من هو للعرش طرف لمحة * يبلغ بيــــه الدعاء و يسعـــد
مــــا للمذنبيــــــــن راحـــة * الا ذكــــر النبــــي محمـــــد
صلي الله على محمد.
(من قصيدة : صلى الله على محمد * سيدي لخضر بن خلوف )
 


الصيغ الجديدة
في قصائد سيدي لخضر بن خلوف
(تكتسب اللغة  وضعها الأصيل و تستعيد دلالتها الحيوية )
تعتمد القصيدة  عند سيدي لخضر بن خلوف رحمه الله تعالى لغة جماعية اجتماعية مشتركة بين الفصحى و اللهجات الشعبية الجزائرية , و يتم اقتناؤها حسب فاعليتها الادبية و الاخلاقية و الاجتماعية , بحثا عن صيغ جديدة في اللغة الشعبية المتأصلة في قريحة الشاعر, لتوظيفها في بناء القصيدة.
عندما يهتدي الشاعر الى كلمته ، فهو (يستذكرها ) أي يظهرها و يعلنها كحالّ , منه و فيه, فالكلمة تمتزج بكيانه و ذاته , ليطفو الجزء الخفي من ذات الشاعر و وعيه أي ايجاد كلمات يتعذر انفصالها عن كيان الشاعر الاجتماعي , تصنع للضرورة الشعرية و يستحيل استبدالها.
* يا رسول الله لوجبرت أعشاري * مربوع مسلس القوايم سابق
*أبهى من البلنزة اللي مستويا * مسقمة و طبعوها بالتسلاس
كلمة ( مسلس) في البيت الأول و ( التسلاس) في البيت الثاني كلمات شعبية جزائرية أصيلة , يراد بها ( التقويم ) أي التعديل و أزالة الاعوجاج , غير أن قصدها الظاهر يختلف في المعنى ,  ففي معنى  الكلمة الأولى (* مربوع مسلس)  تعني وسيط القامة ,  و هي صفة مشبهة تدل على الثبوت من وسط , أما في الكلمة الثانية (* طبعوها بالتسلاس) , بالغوا في الرسم و التطريز  عليها , مما جعلها  خالية من الاعوجاج .
ان من يدعي إمكانية التفسّير انطلاقاً من منحى , انه ليس هناك مردافات و ان المعنى فريد و ثابت فهو يمس بالمفردة و القصيدة بكاملها , و يعتبر هذا مساسا بالبنية و العنصر المكون لها و هو التفسير الصحيح الذي لا يمكن الاتيان به الا بإعادة صياغة القصيدة من جديد.
 فلغة قصائد سيدي لخضر بن خلوف لغة عامة يبنيها شريكين الذي ’’ يتكلم و الذي يسمع’’ , فعالم القصيدة  يتكون من مفردات حية و من صنع جماعي , في هذا الحال تكون لغة الشاعر  في القصيدة جماعية بل هي تحمل أصفى المعاني الاجتماعية الشعبية .
*بيك صب المطر و فاضت عوارض السيل*و احيات الجدبة ولات سليس خضرا
الاشارة الى المفردة المذكورة في البيت اعلاه و التي يقول فيها الشاعر سيدي لخضر ( أحيات الجدبة ولات سليس خضرا) , تفيد ان الجدبة في اللغة العربية الفصحى , معناها : الأرض التي أحتبس الماء عنها, أصبحت * سليس خضرا !!!  بمعنى لانت و سهلت !؟
أعتقد كلمة ( سليس خضرا )  و التي يقرأها البعض ( سريس)  كما جاءت في القصيدة المشهورة * راشدة , و على النحو التالي :
 * راحت تزور نهار الخميس* صابت شجرة خضرة سريس .
إنها كلمة مقولبة تحمل مفهوما ذاتي متعدد الوجهات , فكلمة * سريس , اعتقد انه يطلق على الداكن من اللون ( خضرة سريس) و هي كلمة مستعملة لا يمكن انكارها  و ليس بالضروري مطابقتها بالمعنى الذي جاء به  سيدي لخضر رحمه الله.
 و القائل : ( أحيات الجدبة ولات سليس خضرا) , يعني بها أن الأرض الجدب أصبحت سلسة و ذهب كربها ,  بعد نزول المطر و فياضان مياهه التي جرت مُسْرِعًة فوق سطح الأرض .
المعنى الاشتقاقي للمفردة يدخل في غنى اللغة , لأن الكثير من المفردات التي تبدو لنا اليوم دارجة ، هي في الحقيقة أعمق من ذلك و هي في نفس الوقت  ابتكارات ,  يقوم من خلالها الشاعر بتنقية اللغة  , التي يلبسها مدلولها الشعوري. 
بفضل قصائد سيدي لخضر بن خلوف، تكتسب اللغة  وضعها الأصيل   وتستعيد دلالتها الحيوية ، وهذه  هي مهمة الشاعر التي يجب فهمها ، لأن الكلمة في حد ذاتها ، تعني شيئين أو أكثر في نفس الوقت .
صيغة الكلمة : يقصد بها صورتها أو هيئتها الحاصلة من ترتيب حروفها و حركاتها التي تعطي المعنى المتعدد  الوجهات. 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 


 
 



 

 

 

 

 

 

 

 

 



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق